أصوات من الزلزال: دقيقتان هزمتا 12 عامًا من الحرب في سوريا

جلجامش نبيل

إنها الساعة الرابعة صباحًا، فجر السادس من شباط/ فبراير. كان خليل عشاوي، المصور الصحفي السوري، ومجموعة من زملائه الشباب قد ناموا للتوّ في شقتهم في أعزاز، وهي بلدة في شمال غرب سوريا. كان البرد قارصًا في الخارج حيث غطت الثلوج المناطق المجاورة.

بعد أن أمضوا الليل في مناقشة سبل تحسين مشروع الواقع المعزز (AR) وإعداد قصة لوكالة رويترز، نام أعضاء الفريق في الساعة الثالثة صباحًا في شقتهم في الطابق الرابع.

في الساعة 4:17 صباحًا، كان كل شيءٍ يهتز فجأة بشكلٍ مروّع. بصفته صحافيا حربيا متمرّسا، يعرف خليل جيدًا أهمية إبقاء الكاميرا ومعدات التصوير جاهزة. فبعد أن غطى الحرب السورية طوال 12 عامًا، حافظ خليل على هذا الأسلوب ليكون كل شيء جاهزًا للتصوير في أية لحظة.

مع ذلك، أجبر الزلزال المروع، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا بقوة 7.8 على مقياس ريختر، خليل وفريقه على الفرار في الحال، تاركين كل شيء ورائهم، بما في ذلك مفاتيح الشقة. استيقظ خليل مذعورًا ونزل مرتديًا تي-شيرتًا فقط، فيما هرب عضوٌ آخر في الفريق عاري الصدر وحافي القدمين.

في الطابق الثالث، رأى خليل أسرة مذعورة رفقة أطفالها. كانوا يتخبطون غير قادرين على التصرّف والخروج. حمل أحد الأطفال وهرب. في الخارج، وقفوا بعيدًا عن المبنى المهتز. واصل خليل حمل الطفل وتهدئته. عندما خرجت الأسرة، سلّم الطفل إلى والدته.

بصفته مراسلاً حربيا، فقد ممتلكات أسرته في مسقط رأسه، في دير الزور، شرق سوريا، لم يتمكن خليل من مقارنة رعب هاتين الدقيقتين، اللتين تمثلان وقت الزلزالين المتعاقبين، مع أي شيء آخر رآه على مدى السنوات الـ 12 الماضية.

قال: “سمعتُ صوتًا مروعًا تصدره الأرض. كانت المباني تنهار على مسافة بعيدة. تمكننا من سماعها بسبب هدوء البلدة”.

بعد أن توقف الزلزال، ظل الناس في حالة من الذعر. قال خليل: “هاتان الدقيقتان تعادلان كل أهوال الحرب. ما حصل لا يشبه أي شيء آخر رأيته في حياتي. الأضرار والخسائر البشرية لا تضاهى بأي شيء آخر”.

بمجرد أن أدركَ ما حدث، انتباه القلق حيال سلامة إخوته الذين يعيشون في غازي عنتاب وشانلي أورفا، ووالديه المقيمين في أنطاكيا. تضررت جميع هذه المدن التركية بشدة وقتل آلاف الأتراك واللاجئين السوريين وتشرّد آخرون. فكر خليل في عائلته في اسطنبول، غير مدركٍ، في حينها، أنها بعيدة عن مركز الزلزال، الواقع على بعد 34 كيلومترًا غرب غازي عنتاب، التي تبعد 97 كيلومترًا فقط عن حلب المنكوبة بالحرب.

وبينما نجت بلدة جنديرس، في عفرين بريف حلب الشمالي من الدمار والقصف طوال الحرب، كانت الأكثر تضررًا من هذا الزلزال الكارثي الذي ضرب حلب واللاذقية وإدلب التي تسيطر عليها المعارضة.
حتى الآن، تجاوز عدد ضحايا الزلزال 42 ألفًا، بينما أصيب أكثر من 115 ألفًا في كلا البلدين. مع تدمير أكثر من 6,500 مبنى، أجبر الزلزال الهائل 2.4 مليون شخص على النزوح وألحق الضرر بأكثر من 24 مليون آخرين. تشير بعض التقديرات إلى تكبّد خسائر اقتصادية بقيمة تتراوح ما بين 50 و85 مليار دولار.

أصوات الزلازل: قلق وخوف وفقدان

وبعيدًا عن آلام الضحايا والمنكوبين، صارعت آلاف الأسر من أجل التواصل مع أقاربهم في المدن المنكوبة. وحلّق بعضهم إلى تركيا وسوريا بحثًا عن أفراد أسرهم. ومنهم أحد السوريين المقيمين في فرنسا، والذي انتابه القلق لرؤية 100 إشعار في المجموعة العائلية على تطبيق واتساب. قام بتفحص الرسائل على عُجالة، وعلم بوقوع الكارثة، لكنه لم يجد رسالة واحدة من والديه. تركه ذلك مذعورًا حيث تعرضت أنطاكيا، المدينة التاريخية، لضررٍ جسيم في زلزال يوم الاثنين. استقل الشقيق أول رحلة إلى جنيف، وأخرى إلى أضنة، ومن هناك إلى أنطاكيا لإنقاذ والديه.

الرسائل التالية محاولة لنقل تجربة القلق التي عاشتها عائلة واحدة، توزع أفرادها في العديد من المدن التي ضربها الزلزال.

قال الرجل في رسالة: “يا شباب، طمئنوني عنكم؟ أمي وأبي وبارعة وعائلتها ومثنى؟”

قال شقيقه: “سلامات، عمي أبو أحمد. إن شاء الله تصلك هذه الرسالة لأنني فقدت الاتصال ولم أسمع شيئًا. ما زلت لا أستطيع الاتصال بوالديّ، ولا نعرف أي شيءٍ عنهم. إذا كنت تعرف أي شيء عن المبنى، أو والديّ، أو الحارة التي يقيمان فيها، أي شيء، فيرجى إبلاغي بذلك”.

أرسل شخص آخر رسالة إلى الأم المفقودة: “يا أم خليل، أرجوكِ طمنينا على حالكم، يا أمي! الأولاد يبحثون عنكِ ولا يستطيعون الوصول إليك! من فضلك، أخبريني كيف حالك حتى أتمكن من إخبارهم إذا كنت على قيد الحياة أو حصل معكم شيءٌ سيء! من فضلك، نريد أن نطمئن عليك، يا أمي! أبناؤك يبحثون عنك من فرنسا والولايات المتحدة واسطنبول وأورفة! يريدون الإطمئنان عليك، الله يحفظك!”

فيما تواصل آخر مع شخص يتواجد في أنطاكيا: “تمام، تمام، كانوا في الطابق الأخير. تمام، سأرى كيف يمكنني الوصول إليهم، لا توجد تغطية في الداخل على الإطلاق. هل يمكن أن ترسل لي موقعهم؟ إذا تمكنت من الوصول إليهم، سوف أرسل لطمأنتك، لا تقلق”.

امرأة تم إنقاذها: “مرحبا خالتي، كيف حالك؟ كيف صحتك وما أخبارك؟ هل أنت والشباب بخير؟ نحن بخير، الحمد لله، في الجامع الآن. يبدو أن رقمك الآخر غير مسجل عندي. لأنني أتلقى جوابا  بأن الرقم مشغول أو خارج التغطية. أردت فقط أن أسأل عنكم”.

أحد الاقارب: مرحبا أبو إبراهيم، كيف حالكم وأخباركم؟ هل سمعتم أي شيء عن أهلي؟ هل انت

م بخير؟ هل مازلتم في الشارع أم في الحديقة؟ كيف هو الوضع؟ طمنّا، والله!”

بعد يومين، علمت الأسرة أنه قد تم إنقاذ الوالدين من تحت الأنقاض.

أبو سمرة: إذا حدث شيء معكم، أعلمني فقط! وإذا ما وصلني

أي شيء، سوف أخبركم! الحمد لله، انهم بأمان، لأنني رأيت للتو صورة جوية لأنطاكيا، أنطاكيا مدمرة بالكامل! الحمد لله أنهم نجوا وطلعوا سالمين”.

أحد الأقارب: شاهدتها، يا أبو سمرة، شاهدتُ كل الصور، لذلك نحن خائفون. الوضع في أنطاكيا سيء جدا، أنت على حق. يا سيدي، إن شاء الله، ربي يحفظكم ويبعد كل شر عنهم! على راسي يا ابو سمرة. أي شيء يصلنا سنبلغكم به، وكذلك أنت.”

أحد الأقارب: “بشركم الله بالخير، أخي أبو سمرة! على راسي والله، ربي يسلمك ويحفظك!”

أبو إبراهيم: مرحبا أبو عبده! كيف حالك؟ كيف صحتك؟ وصل هايل إلى والديّ وأخذهم. هم الآن معه في السيارة. لقد أرسلت لك صورة!”

وبينما انتهت هذه القصة على خير، كانت امرأة أخرى، ربما في سوريا ، تبكي خائفة من احتمالية موت ابنها في أنطاكيا، وهي لا تزال تبحث عنه.

قالت المرأة، وهي تبكي: “رأيتُ صورة لشخص يشبه وجه ابني. مجهول الهوية! لستُ متأكدة لحد الآن! كيف يمكن أن أطمئنكِ؟ إدعي لي أن يلهمني الله الصبر حتى أتأكد!”

ونجا آخرون من الكارثة بخسائر لا تعوض وقلوب مفجوعة.

قالت إحدى النساء: توفي شقيق عصام وشقيقته وفاء، وزوجة عصام (رُبى) وبناتها وابنها، وزوج وفاء وأولاده وخالته. لا يمكننا إحصاء العدد، توفي حوالي 16 شخصًا.”

وأضافت: “الحمد لله على سلامتكم يا خالة، الحمد لله على السلامة! فقدنا بيوتنا وكل شيء! الله المعوض! ما يهم هو أنكم بخير. الحمد لله. لم نستطع الاتصال بكم، حتى جاءتنا شبكة الإنترنت. أنا في منزل أختك، عفراء. كما توفي 16 شخصا من عائلة حسين.”

اترك تعليقا